بورتسودان- مريم (اسم مستعار) ترتب حجابها بسرعة، وكأنها مستعجلة لتكشف عما لديها، ترتب أمورها دون أن تفكر في ترتيب أفكارها، فالمشاهد تتوالى وحاضرة أمامها منذ ذلك اليوم الأسود.
وروت مريم التي لم تبلغ 17 عاما للجزيرة نت تفاصيل تعرضها للاغتصاب المتكرر من قبل قوات الدعم السريع في إحدى مناطق الجزيرة وسط السودان.
وبحسب قولها، بعد سيطرة مقاتلي قوات الدعم على المنطقة، كانوا يخرجون ضحاياهم من الشوارع ويغتصبوهن بدورهم مع التهديد بالعنف والسلاح.
مريم هي واحدة من مئات المنظمات الحقوقية والاتحادات المدنية التي وثقت انتهاكات قوات الدعم السريع في المناطق التي سيطرت عليها منذ بدء الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023.
ومن بين هذه القصص، نجد حالة خديجة (اسم مستعار)، التي لجأت إلى إخفاء ابنتها المراهقة في خزانة الملابس، أملاً في الهروب من أعين قوات الدعم التي اقتحمت المنازل في المنطقة.
لكن المرأة الأربعينية لم تدرك أنها ستكون الضحية عندما وقعت فريسة للمسلحين الذين اغتصبوها أمام ابنتها التي لم تتحمل ما حدث وعثر عليها فاقدة الوعي بعد خروج المسلحين.
أما سلوى (اسم مستعار)، فتعتقد أنها محظوظة، لأنها تعرضت للاغتصاب مرة واحدة فقط، لأن الذين خطفوها من الحافلة التي كانت تستقلها في اتجاه منزلها خططوا للاعتداء عليها بالتناوب، لكنهم فوجئوا بذلك. . إطلاق نار تبين لاحقاً أنه كان سبباً في مقتل شابين حاولا مقاومة تصرفات… وقام المسلحون بإنقاذ سلمى التي كانت مع امرأتين أخريين.
ويقول المحامي محمد الزين، إنه سجل قصص خديجة وسلوى وعشرات أخريات خلال تنقلاته بين معسكرات النزوح، في إطار عمله في إعداد قضية لملاحقة الأطراف، بما في ذلك قوات الدعم السريع، أمام المحكمة الجنائية الدولية. .
الأرقام المقدرة
ويؤكد الزين أنه لا يوجد رقم دقيق لعدد ضحايا الاغتصاب، بسبب العجز وكثرة النازحين، بالإضافة إلى رفض معظم الضحايا التحدث بسبب القيود الاجتماعية والخوف. من “العار”.
وبحسب محمد الأمين، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، فإن نحو 7 ملايين امرأة وفتاة في السودان معرضات لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
بدورها، أكدت الحملة معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي أنها وثقت 423 حالة اغتصاب منذ نهاية العام الماضي، منها 159 حالة -أو نحو 37%- لأطفال.
وأشارت الحملة، التي يشرف عليها متطوعون وتسعى لمنع استخدام الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح في حروب السودان، إلى أن هذه الأرقام منخفضة للغاية مقارنة بالأعداد المتوقعة، بسبب “صعوبة الوصول إلى الخدمات وطلب المساعدة بالإضافة إلى ذلك”. إلى غياب المؤسسات القانونية وآليات الإبلاغ، وطبيعة الصمت والوصم الاجتماعي في البلاد”.
ويؤكد مصدر أمني تحدث للجزيرة نت أن ضحايا الاغتصاب يتعرضن للابتزاز من قبل مسلحي الدعم السريع بعد تصوير الاعتداء عليهن.
ولا يهدف الابتزاز فقط إلى الحصول على أموال مقابل عدم نشر مقاطع الفيديو، بل يمتد أيضًا إلى استخدام الضحايا كمصدر معلومات حول تحركات الجيش ومواقع الجيش داخل المدن تحت التهديد بنشر الفيديو. التسجيلات في حالة عدم التعاون.
وعن طريقة التعامل مع الضحايا، أكد المتحدث أن الجهات الأمنية فور تلقي البلاغات تعمل على الحصول على أقوال الضحايا قبل إحالتهم إلى الجهات المختصة لتلقي العلاج الطبي والدعم النفسي.
الدعم النفسي والطبي
وترى حملة “معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي” أن الدعم الطبي والنفسي المطلوب يشمل الرعاية الطبية العاجلة للضحايا لعلاج الأضرار الجسدية وتوفير الرعاية الوقائية ضد الأمراض المنقولة جنسياً، كما أنهم بحاجة إلى رعاية طبية مشتركة تشمل التغذية والمكملات الغذائية. ويشمل الدعم النفسي تقديم علاج نفسي مكثف للتعامل مع الصدمة الناتجة عن الاغتصاب، وتوفير مجموعات دعم للضحايا لمساعدتهم على التعامل مع التجربة المؤلمة.
وتواجه ضحايا الاغتصاب تحديا كبيرا للعودة إلى الحياة الطبيعية، حيث تؤكد مختلف الجهات أنهن تابعن العديد من الآثار النفسية التي يمكن أن تتضاعف إذا لم يتم علاجها بشكل صحيح.
وقال محمد الأمين ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، إن بعض النساء وصلن إلى مرحلة من اليأس دفعتهن إلى محاولة الانتحار، وتحدث عن جهود الصندوق وشركائه لمساعدة الضحايا سواء بتوفير الملاجئ الآمنة وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي أو من خلال توفير الأنشطة المدرة للدخل حتى يتمكنوا من إعالة أطفالهم.
وفي حالة التعافي واستكمال مراحل العلاج سواء في جوانبه الصحية أو في جوانبه النفسية، تجد الضحية نفسها أمام تحدي القبول الاجتماعي، خاصة إذا كان الاغتصاب يسبب الحمل، وهو ما تواجهه ميريام اليوم.
وبحسب والدة مريم، فإنها أخفت حتى الآن عن زوجها خبر حمل ابنتها التي دخلت شهرها الثالث.
وتقول المرأة الثلاثينية إنها أبلغت قائد قوات الدعم في المنطقة بعد اغتصاب ابنتها، لكنه هددها بالمزيد من الاعتداءات إذا أصرت على التحدث والتظاهر.
وتأمل والدة مريم أن تحظى ابنتها بفرصة استعادة حياتها الطبيعية بعد تلك التجربة المريرة التي ضاعفت محنة الأسرة التي تعاني من الفقر. كما أنها لا تتوقف عن الدعاء من أجل أن تنتهي الحرب قريبًا لتجنب مصير مماثل لمصير النساء الأخريات في السودان اللاتي قد يتعرضن له.